ولما ذكر أموال اليتامى على حسب ما دعت إليه الحاجة واقتضاه التناسب إلى أن ختم بهذه الآية، كان كأن سائلاً سأل: من أين تكون أموالهم؛ فبين ذلك بطريق الإجمال بقوله تعالى: {للرجال} أي الذكور من أولاد الميت وأقربائه، ولعله عبر بذلك دون الذكور لأنهم كانوا لا يورثون الصغار، ويخصون الإرث بما عمر الديار، فنبه سبحانه على أن العلة النطفة {نصيب} أي منهم معلوم {مما ترك الوالدان والأقربون}.ولما كانوا لا يورثون النساء قال: {وللنساء نصيب} ولقصد التصريح للتأكيد قال موضع مما تركوا: {مما ترك الوالدان والأقربون} مشيراً إلى أنه لا فرق بينهن وبين الرجال في القرب الذي هو سبب الإرث، ثم زاد الأمر تأكيداً وتصريحاً بقوله إبدالاً مما قبله بتكرير العامل: {مما قل منه أو كثر} ثم عرف بأن ذلك على وجه الحتم الذي لا بد منه، فقال مبيناً للاعتناء به بقطعه عن الأول بالنصب على الاختصاص بتقدير أعني: {نصيباً مفروضاً} أي مقدراً واجباً مبيناً، وهذه الآية مجملة بينتها آية المواريث، وبالآية علم أنها خاصة بالعصبات من التعبير بالفرض لأن الإجماع- كما نقله الأصبهاني عن الرازي- على أنه ليس لذوي الأرحام نصيب مقدر.ولما بين المفروض أتبعه المندوب فقال تعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى} أي ممن لا يرث صغاراً أو كباراً {واليتامى والمساكين} أي قرباء أو غرباء {فارزقوهم منه} أي المتروك، وهو أمر ندب لتطييب قلوبهم، وقرينة صرفه عن الوجوب ترك التحديد {وقولوا لهم} أي مع الإعطاء {قولاً معروفاً} أي حسناً سائغاً في الشرع مقبولاً تطيب به نفوسهم.